قبيل الفجر، كان موعد أهل الغوطتين الشرقية والغربية مع المذبحة الأسدية، لكن هذه المرة لن تستخدم السواطير التي استخدمها الأسد في مجازر بانياس وداريا وجديدة الفضل، ولن يستخدم صواريخ السكود التي قصف بها الرقة وكفر حمرة بحلب، هذه المرة آثر الأسد أن يقصف أهل الغوطتين بصواريخ محملة برؤوس كيماوية تحوي غاز السارين؛ ليشهد العالم مذبحة بلا دماء لأطفال غوطة دمشق ونسائها.
تحت جنح الظلام كان ضباط النظام وشبيحته يحضرون أدوات المذبحة الفظيعة، وفي تمام الساعة الثالثة إلا ربعا قبيل فجر الأربعاء 21/8/2013، أطلقوا 15 صاروخا محملا بغاز الأعصاب (السارين) من جبل قاسيون ومحيطه، على مدن الغوطتين بريف دمشق، ما أودى بحياة 1360 شهيدا من المدنيين على الأقل، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة للعشرات من عناصر الجيش السوري الحر.
مقطع فديو يرصد أصوات غريبة لصواريخ تطلق على الغوطة الغربية:
{youtube}_gLsKrB2PV8{/youtube}
هزت انفجارات الصواريخ منطقة زملكا وعين ترما في قلب الغوطة الشرقية وما حوله، ما دفع الكثير من الاهالي للخروج من منازلهم واعتلاء الأسطح لتفقد مواقع الانفجارات، ومع تنشقهم للغازات المنبعثة من أماكن القصف بدأوا يفقدون الوعي ويصابوا بالإغماء ثم الموت.
يروي أحد الأطفال الناجين من المجزرة أن أخاه صعد إلى الطابق العلوي ليتفقد جده، إثر سماع أصوات القصف، فنزل أخوه إليهم وبدأ يتقيأ، فهرع إليه الأب ليساعده فأصيب كلاهما بالإغماء، فقامت إليه الأم وبدأت بالتلويح فوق رؤوسهما كي يستنشقا الهواء، إلا أنها سقطت بجانبهما أيضا، وماتوا جميعا، والطفل جالس على الأريكة يراقب ويبكي ويصرخ، قيل له من بقي من عائلتك؟ فأجاب والدمع يفيض من عينيه: لم يبق أحد سواي.
مقطع فديو لرواية الطفل الناجي من المجزرة:
{youtube}rmPxQBtAFwA{/youtube}
وقد توزع عدد الشهداء بحسب النقاط الطبية التي استقبلت المصابين، وبحسب تأثير الكيماوي المنتشر جوا على مناطق القصف، على النحو التالي:
400 شهيد في زملكا، 300 شهيد في حمورية، 150 شهيدا في دوما، 150 شهيدا في كفربطنا، 75 شهيدا في عين ترما، 69 شهيدا في سقبا، 63 شهيدا في عربين، 16 شهيدا في جسرين، 5 شهداء في حرستا، 105 شهداء في المعضمية وداريا في الغوطة الغربية.
أضاف الناشطون أن أعداد المصابين جراء استنشاق الغازات السامة والقذائف الصاروخية قد تجاوز خمسة آلاف شخص بالغوطة الشرقية وحدها، بالإضافة إلى 500 مصاب في المعضمية غربا.
{youtube}YbGdz5e79Q8{/youtube}
وقد واجه الأطباء في المشافي الميدانية تحديات عظيمة في إسعاف المصابين وإنقاذ أرواحهم بسبب ضخامة أعداد المصابين وقلة المواد والمستلزمات الطبية، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة المجزرة الكيماوية.
مقطع فديو لمحاولة إنقاذ طفل في حالة اختناق:
{youtube}eMA_7BMMMik{/youtube}
وأكد أطباء في المشافي الميدانية كتقرير أولي أن الغاز المستعمل هو “السارين”، وأن أعراض الإصابة بالكيماوي كانت واضحة على الضحايا، كما ظهر ذلك جليا بالصور والفديوهات بما لا يدع مجالا للتشكيك في هذه المجزرة الفظيعة، فكيف يصح بالأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!.
تظهر الفيديوهات التي نشرها ناشطون من زملكا وجوبر وعين ترما أطفالاً في حالات اختناق وإغماء، إلى جانب الرجال والنساء الذين تنشقوا من تلك الغازات السامة، ومن الجدير ذكره أن عين ترما وزملكا وجوبر تكاد تكون متلاصقة جغرافياً، حيث يفصل جوبر عن زملكا وعين ترما طريق المتحلق الجنوبي الذي يصل طرفي مدينة دمشق.
مقطع فيديو لاسعاف المصابين ومحاولة إنقاذهم:
{youtube}l7q8rlId3gU{/youtube}
لقد كانت منطقة الغوطة الشرقية والغربية من أوائل المناطق التي انتفضت ضد النظام، كما أنها شكلت لاحقا معقلا حصينا للثوار وللجيش الحر؛ ما أقض مضجع الأسد وحرمه من الشعور بالأمان، حتى صار يحلم بدمشق بلا ريف، لقد استطاع الثوار محاصرة دمشق من الشرق والغرب والجنوب وذلك بسيطرتهم على مواقع استراتيجية مثل داريا في الغوطة الغربية المتاخمة لمطار المزة؛ معبر الأسد الوحيد للفرار، وسيطرتهم على قرى الغوطة الشرقية وطريق مطار دمشق الدولي باب الدعم الإيراني والروسي. ومنذ أشهر استعان الأسد بمليشيات حزب الله اللبناني الإرهابي، بالإضافة لبعض الميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية بهدف اقتحام الغوطة والسيطرة عليها، إلا أنه عجز بشكل مطلق، ما دعاه لارتكاب هذه المذبحة الكيماوية العنيفة، في سعي منه لاقتحامها والسيطرة عليها.
لقد اختار نظام الأسد، بكل وقاحة، ضرب الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي، بالتزامن مع بدء عمل لجنة المراقبين الدوليين للتحقيق الكيماوي، في محاولة لخلط الأوراق وتشتيت عمل اللجنة، ليتهم الجيش الحر باستخدام السلاح الكيماوي، إلا أن العالم يعرف من الذي يمتلك السلاح الكيماوي ومن الذي يمتلك تقنية استخدامه ألا وهو نظام الأسد. إن اتهام الأسد للثوار باستخدام الكيماوي ضد أنفسهم وأطفالهم وحاضنتهم الشعبية هو مدعاة للسخرية واستهزاء بالعقول.
إثر ارتكاب المجزرة الكيماوية قامت طائرات النظام بالإغارة على مناطق جوبر، وزملكا، وعين ترما، وكفربطنا، ودوما، وحرستا، شرق دمشق، وكذلك المعضمية وداريا غرباً، بالتزامن مع قصف تلك المناطق بالدبابات وراجمات الصواريخ، وذلك بهدف إكمال خطته باقتحام الغوطة والسيطرة عليها، إلا أن الجيش الحر صده ورد اقتحامه. كما حشد النظام تعزيزات عسكرية ضخمة مؤلفة من 16 دبابة، وعربات مدرعة وحافلات نقل جنود متجهة إلى كراجات العباسين قرب جوبر، بالإضافة لتعزيزات عسكرية ضخمة تتجمع في منطقة سوق الهال بدمشق؛ تمهيدا لمحاولة اقتحام حي جوبر، الذي يعتبر بوابة للغوطة الشرقية، ولا تزال المعارك دائرة، والجيش الحر صامد ويقاوم رغم الحصار الشديد، لأن قدره أن يدافع عن أطفال المنطقة ونسائها وأهلها.
بدوره عقد الائتلاف الوطني السوري مؤتمرا صحفيا دعا فيه مجلس الأمن الدولي، للانعقاد فوراً لإدانة جرائم النظام الجماعية بحق المدنيين من أبناء الشعب السوري، وإصدار قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحماية الأمن والسلم الدوليين، الذي لا شك أن نظام الأسد بات الخطر الأكبر عليه في القرن الحادي والعشرين.
كما أكد الائتلاف بأن فشل المجلس في الاضطلاع بمسؤولياته تجاه الوضع في سورية، يطرح سؤالاً حول مغزى وجود هذا المجلس في المقام الأول، ويعبر عن عجز أعضائه، ويضع ما بقي من شرعية هذا الكيان في مهب الريح.
وطالب الائتلاف لجنة التحقيق الدولية بالتوجه فوراً نحو تلك المناطق التي استهدفتها قوات الأسد بالسلاح الكيماوي، وقيام اللجنة بما من شأنه توثيق هذه الجريمة وجمع الأدلة والشهادات مباشرة من عين المكان، الذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مقر إقامة اللجنة، ووضع تقريرها أمام المجتمع الدولي كحجة دامغة ودليل حاسم، لا يمكن استمرار الموقف الدولي بعده على النحو الذي سارت عليه الأمور طوال أكثر من سنتين.
فيما دعا مجلس الأمن إلى إجراء ما وصفه بتحقيق معمق ومحايد وفوري فيما تردد بشأن وقوع هجمات باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. وذكر البيان الصادر عنه أن هناك اتفاقا في المجلس على ضرورة إجراء تحقيق في هذه الاتهامات.
في حين قالت فرنسا إنه سيكون على المجتمع الدولي أن يرد بالقوة إذا ثبت أن قوات نظام الأسد شنت هجوما كيماويا على المدنيين. وقال وزير الخارجية لوران فابيوس “يجب أن يرد المجتمع الدولي بالقوة في سورية لكن إرسال قوات على الأرض غير مطروح.” وأضاف أنه اذا كان مجلس الأمن الدولي لا يستطيع اتخاذ قرار فإنه يجب اتخاذ قرار “بطرق أخرى”.
واكتفى “البيت الأبيض” بالتعبير عن القلق من التقارير عن استخدام قوات نظام الأسد أسلحة كيماوية في هجوم على المدنيين، ودعا إلى “تحقيق من الأمم المتحدة في الحادثة”، مجددا مطالبة الأسد بالتنحي عن الحكم.
من جهته قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إن “استخدام أسلحة كيماوية في سورية واضح من اللقطات الآتية من هناك. دعونا إلى تحقيق فوري تجريه فرق الأمم المتحدة”.
وقال وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل: “لقد آن لمجلس الأمن أن يضطلع بمسؤولياته، وأن يتجاوز الخلافات بين أعضائه، ويستعيد ثقة المجتمع الدولي به، وذلك بعقد اجتماع فوري للخروج بقرار واضح ورادع يضع حداً لهذه المأساة الإنسانية”.
الأسد المجرم ينكر جريمته، لكن شبيحته يحتفلون بالمذبحة ويطالبون بالمزيد من القتل، لاسيما مع وجود نظام دولي انعدمت لديه أي إرادة سياسية لإنقاذ هذا الشعب من براثن الإرهاب الأسدي، ما جعل الأسد وشبيحته يمارسون القتل والإجرام بطمأنينة، بل وإعلان الفرح والاحتفال بذلك!
“النظام السوري يسخر من الأمم المتحدة والدول الكبرى عندما يضرب أطراف دمشق بالسلاح الكيماوي بوجود لجنة التحقيق الدولية على بعد خطوات من الضحايا، وإن ظلال هذه المجازر على الأوضاع في سورية لا تبشر بخير، بل تنذر بشر مستطيل على امتداد المنطقة”، كما قال جورج صبرة.
أما الشعب السوري فهو ماض في درب اختاره على بصيرة، ويعرف أن الموت يتربص به عند كل منعطف، حتى يسترد حقوقه في الحرية والحياة.
المزيد من صور المجزرة:
المزيد من الفديوهات عن المجزرة:
